Top Ad

الخميس، 17 ديسمبر 2015

أَخْطَاءُ الْحَاسُوب

أَخْطَاءُ الْحَاسُوب سبق أن تحدَّثْتُ في كلامٍ سابقٍ عن موقف المحققين في زماننا من ((الحاسوب))، وذكرتُ اختلافهم في ذلك على ... thumbnail 1 summary


أَخْطَاءُ الْحَاسُوب



سبق أن تحدَّثْتُ في كلامٍ سابقٍ عن موقف المحققين في زماننا من ((الحاسوب))، وذكرتُ اختلافهم في ذلك على طرقٍ ثلاثٍ.
ولقاء اليوم مع ((الحاسوب)) من زاوية أخرى، وجهةٍ لم تسبق في كلامي المشار إليه، وهي من الضرورات الملِحَّة في عصرنا؛ لأهميتِها.
ينبغي أن نقطع بأهمية هذا الجهاز في تحسين الأعمال وتجويدها؛ لكنه يأتي دائما في دائرة ((التحسينيات)) لا ((الحاجيَّات))، فالحاجيَّات اللازمة لطالب العِلْم: لا سبيل لها إلا أفواه العلماء، ومزاحمة الشيوخ، ولا شأن بمثل هذه المرحلة للحاسوب؛ بل ولا للكتب الورقية التي لا تقل خطرًا عن الإلكترونية الحاسوبية، وقد سبق تنبيه أهل العلم على ذلك في مباحث ((التصحيف، والصُّحُفُيَّة)) بما يغني عن إعادته.
فلابد في مرحلة الحاجيَّات والضروريات من الاعتماد على الإنسان في كافة الوجوه، وهي المرحلة التي تحتاج إلى إعْمال عقلٍ، ونباهة فِكْرٍ، وتفتيشٍ ذهنيٍّ عن أصول الكلام وأطرافه وما فوقه وتحته وبين سطوره.
ثم تأتي مرحلة المطبوعات والإلكترونيَّات بعد ذلك لتكمل المسيرة، وتُساهم في صياغة الحقيقة وصناعة القرار في قضية البحث، من خلال توفير المادة العلمية التي تخدم الباحث النّبيه في الوصول إلى حقيقته التي يُحَقِّقها، وغايته التي ينشُدها.
ونحن نقطع بأهمية المصادر والمراجع في الوصول إلى الصواب وتحصيل المعارف والعلوم، وهذا له موضع غير هذا يأتي التفصيل فيه إن شاء الله تعالى.
لكن ثمة مرحلة حاسوبية تلي هذا كله، وتأتي في نهاية المطاف، لم يقدرها بعض الناس قدرها، وتأتي أهمية هذه المرحلة الحاسوبية من جهاتٍ شتى؛ أهمها: ختمها لما سبقها من مراحل البحث، فهي الشاهدة على ما سبق، المُكَمِّلة له، أو الناقضة لأصوله وفروعه.
ومما يُؤْسَف له بحقٍّ أن أكثر الناس لم يضع هذه المرحلة في موضعها الصحيح، ولم يصل بَعْدُ إلى تحرير مدى أهميتها، وفَهْم أبعادِها.
ومع صِغَرِ هذه المرحلة إلا أنها من الخطورة بمكانٍ؛ لأنها تتحَكَّم في شكل الكتب والتحقيقات؛ بل وفي أحكام الناس على عمل المحقق وجهده في كتابه هذا.
فربما جرَّتْ على المحقق سعادة الْعُمر، وربما خَذَلَتْه فأسْقَطَتْه في بُؤْرَة الندم على ما كان، ولو لم يكن من أصحاب النفوس القوية فسيقطع صلته بالحاسوب على الفور.
ربما استنكر القارئ الكريم استطرادي في وصفها دون تسميتها وتعيينها حتى الآن؛ لكنني عمدًا وقصدًا أردتُ ذلك؛ ليعلم القارئ الكريم مدى أهمية هذه المرحلة وخطورتها على التحقيق والمحقق والكتب المطبوعة.
وهذا أوان الشرح؛ فأقول:
وقفتْ قدرةُ الحاسوب الفائقة على سرعة البحث من ناحية، وتزيين الكتاب المطبوع من ناحية أخرى: وقفت هذه القدرة وراء إعْجاب الكثيرين بهذا الحاسوب، واعتمادهم له في أعمالهم التحقيقية والتنضيدية (الكتابية والإخراجيَّة) للكتب على حَدٍّ سواء.
ومع تطاول الأيام، واكتشاف بعض الجوانب الخفيَّة في البرنامج الكتابي الشهير ((word)): وَجَدَ بعضُ المحققين بُغْيَتَهم في ضبط كُتُبهم، وتزيينها بحركات الإعراب، وإشارات الضبط، بعيدًا عن ((عناء الأسعار والتكاليف))، و((أخطاء المراجعة والبروفات))، فصار من السهل على الواحد منهم أن يضبط الكلمة مرةً واحدةً فقط على طول الكتاب، حتى لو بلغ عشرات المجلدات، ويكفيه أن يضغط بيده على ((الجهاز)) ليرى كلمتَه مضبوطةً في جميع كتابه ضبطًا موَحَّدًا، كما أراده.
وبهذا اختصرَ بعضُ المحققين مراحل مديدة، في لحظاتٍ عديدة؛ وأصبح من السهل أن يضبطَ كتابًا كاملاً في لحظاتٍ قليلةٍ لا تُسَاوِي شيئًا.
وتكمن خطورة هذه المرحلة في ضبط وتشكيل الْمُحَرَّف مما يزيده تعقيدًا وتصويبًا، فلا ينتبه له محققٌ أو مراجعٌ في أي مراحل لاحقة من العمل، فيبقى كما هو على الخطأ، وإنما جَرَّهم إلى هذا: رؤيتهم له على الصواب، خاصةً إذا كان من الأمور المشهورة في الكتب.
ويَحْسُن التمثيل لذلك هنا بمثالٍ كنتُ ذكرتُه في موضعٍ آخر:
وهو حديثٌ يرويه أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جدّه مرفوعًا: ((ما نَحَلَ والدٌ ولدَهُ نُحْلاً أفضلَ من أدبٍ حسَنٍ)).
والحديث معروف في ((المسند)) لأحمد في مواضع منها (14977)، و((سنن الترمذي)) (1952)، وغيرهما.
و(سعيد) قريبةٌ في الرسم والشبه من (شعيب)، و(عن) و(بن) يكثر التبديل والتحريف بينهما، فلو صارت (بن عمرو) التي هنا: (عن عمرو) لصار الخبر من رواية: أيوب بن موسى (عن) عمرو بن سعيد عن أبيه عن جدِّه.
لكننا نعلم رسم الإسناد المشهور: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه.
ولم يعد الفرق بينه وبين الإسناد الذي عندنا بعد تحريف (بن) إلى (عن) إلا في (سعيد) و(شعيب)، وهذه إن لم يقلبها القلم فسيقلبها الذهن على الفور إلى (شعيب) ليخرج الحديث من مسندٍ إلى آخر.
وإنما أوقع الراوي في هذا: التشابه في رسم الإسنادين، خاصة بعد التحريف، مع شهرة الإسناد الجديد في الكتب.
لكن لا زال الباب مفتوحًا لاكتشاف الخطأ حتى يُغْلقه الحاسوب بمرحلته ((الاستبداليَّة)) التي يضبط لنا فيها ((شُعَيْب)) المحرفة عن ((سعيد)) فيزيد الأمر بُعْدًا، ويُغْلق علينا ((خطَّ الرجوع)) أو باب الاكتشاف.
وهذا مما ينطلي على كثيرٍ من أهل العلم والفضل، واكتشافه بعد هذه المراجل السابقة: يحتاج إلى توفيقٍ من الله عز وجل، وتكمن خطورته لو كانت المرحلة الحاسوبية ((الاستبداليَّة)) قد جاءتْ في وقتٍ متأخرٍ من مراحل العمل بحيث لو تَخَطَّتْ مرحلة القراءة التي يقوم بها المحققون في آخر أعمالهم فلن تُمْسَك مرةً أخرى، وغالبًا ما تتخطَّى هذه الأخطاء الحاسوبية ((الاستبداليَّة)) أو بعضها تلك المرحلة المشار إليها، ويرجع السِّر في هذا التخَطِّي إلى أمرين: الأول: صعوبة اكتشاف الخطأ خاصة مع مشابهتِه لصوابٍ مشهورٍ (يراجع مقالي: أثر التشابه بين الخطأ والصواب في الرسم)، الثاني: ثقة المحقق باستبدالاته السابقة، خاصة مع الثقة فيها لحاسوبيَّتِها، فهي في رأي الكثيرين: ((فوق مستوى الشبهات والأخطاء)).
والحقُّ أننا لا نقدح في غلبة صواب الحاسوب، لكنَّه ليس وحيًا من السماء لا يتسرب إليه الخطأ، وإنما يخضع لظروفٍ وأحوال قد يقع فيها التبديل من نظام الجهاز نفسه بناءً على أمورٍ نظاميَّة يعرفها أهل المعرفة الحاسوبية التي تتجاوز مراحل ((الويندوز والأوفيس)) إلى مراحل تقرير الخطأ والصواب ومعرفة ما وراء مثل هذه البرامج الاعتيادية المشهورة، من خلال لغات الحاسبات أو برامج البرمجيات المتَقَدِّمَة التي لا تتوقف على أنظمة التشغيل المشهورة للحاسبات.
لكننا نقطعُ بقلَّةِ مثل هذه الأخطاء، لكن لا ننفيها، ولا نقلل من خطورتها.
وأكثر الأخطاء التي تتسرَّب إلى الأعمال الحاسوبية تنشأ عن خللٍ في التعامل مع الجهاز من ناحية، ومع الْمُدْخَلات الحاسوبية من ناحيةٍ أخرى.
فيلزم مَن يصنع شيئًا على الحاسوب أن يبدأ بأمرين: الأول: معرفة كيفية مسالك الحاسوب ودروبه، والثاني: كيفية الصياغة لما يريد باستخدام الحاسوب.
ولا تكفي إحدى هاتين المعرفتين عن الأخرى، وإنما نشأ الخلل لدى الكثيرين من الاغترار بأحدِ هذين الأمرين، دون درايةٍ وعِلْمٍ بالأمر الآخر.
ومن هنا رأينا كثيرًا من المحققين قد اغْتَرَّ بأصول ((الاستبدالات الحاسوبية: العامة أو الخاصة))، فبدأ باستخدامها، وهذا جميلٌ، لكن الأجمل منه: أن يعرف هؤلاء كيفية استخدام مثل هذه ((الاستبدالات))، وما قد تجلبه عليهم أو على أعمالهم.
وقد رأينا كيف زادتْ مثل هذه المراحل ((الاستبداليَّة)) من تعمية الخطأ، ومنعتْ من اكتشافه وتصويبه، رغم حقارته (تفاهته).
ويحسُنُ التمثيل للشرح والبيان:
كتاب ((مسائل الإمام أحمد)) رواية أبي داود، تبدأ أكثر مسائله وفقراته بعبارة موحَّدَةٍ نصها: ((سمعتُ أحمدَ سئلَ))، وفي أخرى: ((قلتُ لأحمدَ))، وهكذا.
فنرى عند النظر فيه بعين الحاسوبيِّ الخبير، والمحقق العارف، أن ثمة استخدامًا للعملية الحاسوبية ((الاستبداليَّة))، ويظهر ذلك من خلال تكرار رسم وضبط عبارات وكلمات بعينها على طول الكتاب، من أمثلة: ((سمعتُ أحمدَ سئلَ)) كما في أرقام (11، 12، 15، 19، 24، 26، 27، 28، 34، 35، 37) في نحو عشر صفحاتٍ فقط من أول الكتاب، ويمكن للقارئ أن يستكمل بقيَّتَه، ولم استطرد ببيان الأرقام منعًا للمضايقةِ، فالمراد هنا التمثيل لا الاستقصاء.
ومن أمثلة ذلك أيضًا في الكتاب المذكور: ((قلتُ لأحمدَ)) كما في الأرقام (40، 45، 47، 50، 52، 54، 61، 63) في نحو خمس صفحاتٍ فقط.
ومثل ذلك أيضًا: قوله: ((سألتُ أحمدَ)) ((سمعتُ)) ((رأيتُ)) وغيرها من الألفاظ التي التقطُّها من الكتاب المذكور على عَجَلٍ، وإنما أردتُ التمثيل والبيان.
أقول: ومثل هذا العمليَّات الاستبداليَّة قد تَمرّ بسلامٍ إذا اقتصرتْ على نحوِ الكلمة والكلمتين، كما هو الحال في كتاب ((مسائل أحمد)) السابق هنا، لكن يعظم الضرر بها كلما زاد المحقق من استخدامها، والاتِّكاء عليها، وقد مضى شرح بعض وجوه ذلك.
وقد رأيتُ بعض الناسِ قد استخدمَ هذه العملية على خطورَتِها في أوسع نطاقٍ لها، بل لم أَرَ مَنْ وصل إلى هذا الحدِّ في استخدامِها كما استخدمها.
وتبدأ القصة مع بعض الأخطاء التي أستبعد صدورها عن مثلِهِ، فسأَلْتُ وفتَّشْتُ، حتى تأَكَدَ لديَّ أنه قد ضبطَ كتابًا يتكون من عِدَّة مجلدات ضبطًا شبه التامِّ في نحو الساعة تقريبًا؛ بل وغَيَّرَ فيه وأعاد أثناء هذه العملية، بل غَيَّرَ في إحالاته ومصادره، وغير ذلك من العمليات التي لا تخفى على مختصٍّ بالحاسوب، عالمٍ بأسراره؛ لكنَّه زاد على المختصين شيئًا صَنَعَهُ لنفسِه يمكنه من خلاله: القيام بعدَّة مهام، مثل: وضع المصادر بين قوسين، وعمل علامات الترقيم بطريقةٍ آلية عند أماكن بعينها عَيَّنَها له سلفًا، والكتابة الآلية لعباراتٍ مقصودةٍ عند رمزٍ معينٍ تَمَّتْ برمجته له قبل هذا؛ بل ويكتب المصدر المراد كتابته بمجرد كتابة الرمز الخاص به مباشرة، وهذا كله في مجال برنامج ((word)) الخاص بالكتابة، بعيدًا عن مجال التحقيق.
والحقُّ أنني لمستُ ثورةً ((برمجية حاسوبية)) للمحققين، لكنها لا زالت بحاجةٍ إلى مزيدِ عنايةٍ وتطوير، خاصةً وأنها لم تأْتِ بالأمر على جهتِه كاملاً، وإِنَّما غَيَّرَتْ شيئًا من الإحالات، فاستبدلَتْ مصدرًا بآخر تبعًا للتبديل في الرمز اللاتيني ((الْمُبَرْمَجِ)) لها سلفًا، كما غَيَّرَت في أرقام بعض الحاشية فجاءت في غير رقمها اللائق بها.
ونحن نقطع أن الخطأ من شأْنِه التلوُّن والتَّعَدُّد، لكنِّي لمستُ ثبات الخطأ المشار إليه في مواضع، فصار بثباتِه المذكور أمرًا مقصودًا في نظري، لكنَّي استبعدتُ جدًا أن يقع أحدٌ في مثل هذا؛ لحقارة الأمر وظهوره جدًا، فليس وهمًا من جنسِ أخطاء الناس أو نحو ذلك؛ لكنَّهُ من الأمور التي لا يحتمل فيها الخطأ لظهورها، ويبعد جدًا وقوع الخطأ في مثلها، فلمَّا ثبتَ شكل الخطأ في جميع مواضعه من ناحيةٍ، ولم يكن جائزًا ممكنًا وقوعه لأحدٍ من ناحيةٍ أخرى: علمتُ أن ثمةَ شيئًا ما قد حدَثَ؛ لكنني لم أقف عليه إلا بعد بحثٍ وتفتيشٍ في ملابسات المسألة، ورجع الخلل إلى تلك العملية ((الاستبداليَّة)).
ومع هذا فنسْبَة الصواب لهذه العملية البرمجيَّة الجديدة على المحققين حتى الآن في نظري القاصر: تصل كما رأيتُ وشُرِحَ لي إلى أكثر مِنْ (90%) وهذا عملٌ رائع جدًا إذا تمَّ تطويره والعناية به؛ لكننا لا نُبَرِّر الخطأ لأحدٍ، وإِنْ عَذَرْنَاه ودَفَعْنَاه بكل طاقتنا للاستمرار في طريقه الذي نظن فيه النفع للمسلمين إن شاء الله تعالى.
ونحن نقطع أَننا بحاجةٍ إلى الإبداع والابتكار، ونُشَجِّع المبدعين، ونحرص عليهم، لكننا أيضًا لا نُبَرِّر الخطأ لأحدٍ لفضْلِه وشرفه بيننا، مهما كان.
كلا؛ لا نُسْقِط اللومَ لكننا نعرف طريق اللوم والعتاب، ونُتْقِن بحمد الله معاتبة الأصدقاء والأشقّاء، وزملاء الدَّرْب؛ ويكمن إتقاننا لهذا الباب من انتمائنا للإسلام العظيم، فنحن نقطع بهمجيتنا وضلالنا بدون الإسلام العظيم الذي رَبَّانا على أصولٍ ما كنا لنبلغها لولا أن مَنَّ الله علينا به، وشَرَّفَنَا بعبادته، وهذا فضلٌ نفخر به على جميع الأجناس، وشرفٌ أَدَّعيه، وأطرب له، وإِنْ رغمت أنوف الكفر والشِّرْك، كما أَتِيه فخرًا وطربًا بحبِّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآل بيته وصحابته الأطهار رغم أنف الشيعة والرافضة وأعداء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله وصحابته.
أقول: ولم أقصد هنا تبرير أخطاء المحققين؛ لكن المراد أن نضع مثل هذه العمليَّات الحاسوبية المتقدِّمة في أذهاننا، فنُنْكر على مقدار الخطأ وحجمه.
ونحن نقطع أن كلَّ إنسانٍ منَّا يملك أمرًا إبداعيًّا لا يملكه الآخر، ولذا رأينا الإسلام يُكَمِّل جميعَنَا من جميعِنَا، ويُقَرِّر أننا جميعًا كالجسد الواحد، وكان التعبير بالجسد كافيًا؛ لكنَّه أضاف إليه تفصيلاً زائدًا فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا اشتكى منه عضوٌ تَدَاعَى له سائر الأعضاء بالسَّهر والْحُمَّى)).
ولاشك أن تداعي الأعضاء لبعضها بالسهر والْحُمَّى من مستلزمات الجسد الواحد؛ فهذه بعض خصائص الجسد العامِّ؛ فماذا لديكم في هذا يا علماء الإسلام؟
يقول أهلُ العلم في مثل هذا: إِنَّ ذِكْر الخاصِّ بعدَ العامِّ يدلُّ على التَّعْظيم.
فدلَّ ذلك على تعظيم هذه الخاصِّية الجسديَّة من بين باقي الخصائص الجسديَّة، وهذا معنًى شريفٍ جدًّا، وتنبيه رائع على ضرورة التعاون، خاصةً في أمور الشكوى والألم.
ولاشكَّ أن الخطأ أَلَمٌ للقارئ الذي لا ذنبَ له، وللمخطئ الذي لم يكن يقصد مثل  هذا الخطأ، وقد حُرِمَ بسببه أجرًا ثانيًا هو في أشدِّ الحاجة له يوم القيامة، وهو أَلَمٌ للأمة التي تحرص على الإبداع والإصابة الدائمة، وهو قبل هذا وبعده: مخالفٌ لأصل ((الإصلاح)) الذي أَتَى به الإسلام، فالخطأ أَلَمٌ من كل الوجوه، وَشَكْوى ظاهرة، فوجب فيه التَّداعي والتأَلُّمِ.
ونحن نقطع أن إغفال مثل هذه الأمور الحاسوبية التي يمكن لنا الاعتذار بها عن إخواننا: منافٍ تمامًا لمبدإ الألم للمسلمين، والتشَكِّي بشَكَوَتِهم.
نحن نقطع أن حبَّ الشهرة على حساب بعضنا: منافٍ للتأَلُّم للمسلمين.
نقطع أن قسوة بعضنا على بعضنا: منافية للتَّأَلُّمِ.
نعودُ إلى الحاسوب وقضيته:
أقول: ونحن إذا لم نُبَرِّر لأحدٍ الخطأ، ولم نرْضَ به، لكن يجب أن نعرف جهة الخطأ، ونُقَيِّم عمل الناس من خلاله، لا من خلال نتائج الخطأ، وكذا نُنْكِر على قَدْر الخطأ، ومَنْ لم نَرْضَ عنه اليوم قد يُرْضِينا غدًا أو بعدَ غَدٍ، أو قد يرضى عنه غَيْرُنا، وهكذا.
وكما أن العملية ((الاستبداليَّة)) قد زادتْ الخطأ تعقيدًا: فينبغي علينا الحذر عند نقدِ الناس، فربما نشأ الخطأ عن مثل هذا السلوك، فنقع في رجالٍ أفاضل لا ذنب لهم سوى الاغترار بمثل هذه المراحل الحاسوبيَّة.
ونحن لا نُبَرِّر لهم ولا لغيرهم مثل هذا الاغترار، لكنَّا نقول: ينبغي أن يكون الإنكار هنا على قدر ما جرى، لا على قدر ما نتج عن الخطأ، خاصةً إذا كُنَّا نقطع بصدْقِ هؤلاء وانتمائهم للسنةِ، فلا يليق بنا في مثل حالتِنَا أَنْ نرميهم بحراب ألسنتنا، وعلينا أن نتعاون معهم في الاستدراك والتعليم، وتحسين الأعمال وتجويدها، وحُسْن الاستفادة من الأخطاء السابقة.
ونقطع هنا: أَنَّ النَّقْد والتَّلْبيس بمثلِ هذه الأمور بعد الوقوف عليها من خلال الخبرة والمعرفة الحاسوبية: يُعَدُّ تغريرًا بالأمة، وخيانةً لأمانة العلم، وانتهاكًا لِحُرْمَة الكلمة.
وبهذا الكفاية. والحمد لله ربِّ العالمين.

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

أكتب تعليقك وأترك بصمتك

our facebook page

.